ما الذي جعل شتاء عام 1992 ثلجي بامتياز في بلاد الشام ومصر والعراق وشمال السعودية؟
وكيف تمكن بركان يبتعد عن المنطقة 8500 كم تقريبا من التأثير على مناخ الشرق الأوسط؟
وكيف نشأت 7 عواصف ثلجية ضربت المنطقة في موسم واحد نتيجة لتأثير هذا البركان؟
——————————————————————————————
المركز العربي للمناخ – المهندس احمد العربيد
قصة بركان بيناتوبو الذي تسبب في 7 عواصف ثلجية ضربت بلاد الشام والعراق وأجزاء من مصر وشمال السعودية وحول شتاء المنطقة الى قطبي وتاريخي عام 1992.
مستمرون في المركز العربي للمناخ بتقديم سلسلة من التقارير والاحداث المناخية التي حصلت في السابق، والتي تتعلق بالبراكين بشكل رئيس وتأثيرها على مناخ العالم، تزامناً مع زيادة نشاط البراكين بشكل ملحوظ في الوقت الحالي.
قد يعتقد البعض بان البراكين تؤثر فقط على المنطقة التي تثور فيها، وللأسف فإن هذا الاعتقاد السائد غير صحيح بالمطلق، فنحن نعيش على كوكب واحد ويربطنا نفس المناخ، وأي تأثير على غلافنا الجوي في أي بقعة من الكوكب لابد من ان يؤثر على باقي العالم بشدة متفاوتة قد تكون ملحوظة وقد تكون غير ملحوظة.
تعتبر الانفجارات البركانية الواقعة بالقرب من خط الاستواء الأعلى تأثيراً على كامل مناخ الكوكب، نتيجة لموقعها الحساس بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.
وتنشئ هذه الحساسية نتيجة لأنظمة حركة الرياح العلوية وطبيعة دورانها الافقية والعامودية والتي تعمل على نقل خواصها الفيزيائية الى كافة ارجاء الكوكب بسرعة قياسية بواسطة التيار المداري النفاث وعوامل أخرى مساعدة.
فعند انبعاث الغازات والاتربة من انفجارات البراكين الى ارتفاعات شاهقة تتجاوز 12 كم وتصل الى 80 كم في الغلاف الجوي، أي “تخترق طبقة الستراتوسفير ” التي تعلو طبقة الترو وسفير التي تحدث فيها المنخفضات والمرتفعات الجوية، فان التأثير يكون عالمي ، نتيجة لانتشار جزئيات الرماد الناتجة عن الانفجار البركاني في نصفي الأرض الشمالي والجنوبي والتي تقوم بدورها على تشتيت وعكس اشعة الشمس الى خارج الأرض وبالتالي تنخفض مستويات الحرارة عالمياً مع مرور الوقت.
وعلى النقيض تماماً فان انفجارات البراكين التي تحدث في مناطق العروض الوسطى والعروض العليا بالقرب من الأقطاب ” الشمالي والجنوبي ” تستغرق وقتاً أطول للتأثير على كامل الغلاف الجوي، لذلك تعتبر المناطق المدارية هي المسؤولة عن أي تغير سريع ومفاجئ في مناخ كوكبنا.
واكبر مثال على تأثير البراكين في المناطق المدارية على مناخ العالم بالكامل والذي سنتطرق اليه اليوم هو ثوران بركان بيناتوبو في عام 1991.
والذي تسبب بتبريد الأرض بحوالي درجة مئوية كاملة، وغير مناخ العالم واستمر تأثيره حتى يومنا هذا، بعدما اجتاحت على إثر هذا الثوران الذي وصف “بالعظيم” العواصف الثلجية والموجات الباردة جداً النصف الشمالي من الكرة الأرضية،
وخصوصاً انه أثر على مناخ الشرق الأوسط بشكل رئيسي وملحوظ، فكان شتاء عام 1992 قاس بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتأثرت بلاد الشام والدول المجاورة لها بعدة موجات ثلجية اجتاحت المنطقة وتسببت بتساقط الثلوج حتى مستوى سطح البحر، وانخفضت درجات الحرارة بصورة قياسية وهائلة، بالإضافة الى انه تم تسجيل معدلات قياسية لتساقط الأمطار والثلوج والتي كانت غير مسبوقة استناداً الى الأرشيف المناخي للمنطقة.
الانفجار :
في منتصف شهر مارس من عام 1991، بدأ القرويون حول جبل بيناتوبو في الفلبين يشعرون بالزلازل وبدأ علماء البراكين في دراسة الجبل.
في 2 أبريل، غمرت الانفجارات الصغيرة من الفتحات القرى المحلية بالرماد وصدرت أوامر بإجلاء 5000 شخص في وقت لاحق من ذلك الشهر.
استمرت الزلازل والانفجارات في 5 يونيو، وتم إصدار إنذار من المستوى الثالث لمدة أسبوعين بسبب احتمال حدوث اندلاع كبير في الجبل. وادى قذف قبة من الحمم البركانية في 7 يونيو إلى إصدار تنبيه من المستوى الخامس. في 9 يونيو. تم إنشاء منطقة إخلاء على بعد 20 كم من البركان وتم إجلاء 25000 شخص.
في اليوم التالي (10 يونيو)، تم إخلاء قاعدة كلارك الجوية، وهي منشأة عسكرية أمريكية بالقرب من البركان. تم نقل 18000 فرد وعائلاتهم إلى محطة خليج سوبيك البحرية وأعيد معظمهم إلى الولايات المتحدة.
في 12 يونيو، تم تمديد نصف قطر الخطر إلى 30 كيلومترًا من البركان مما أدى إلى إخلاء إجمالي 58000 شخص.
في 15 يونيو من عام 1991 ، حدث ثاني أكبر ثوران بركاني في القرن العشرين في جزيرة لوزون بالفلبين ، على بعد 90 كيلومترًا شمال غرب العاصمة مانيلا. قُتل ما يصل إلى 800 شخص وشرد 100,000 شخص بعد ثوران جبل بيناتوبو ، الذي بلغ ذروته بعد تسع ساعات من ثوران البركان.
بتاريخ 15 يونيو ، تم تصريف ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي ، مما أدى إلى انخفاض في درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم على مدى سنوات تلت ذلك الانفجار.
– تسبب ثوران بيناتوبو في اخراج 10 كيلومترات مكعبة من الصهارة الحارة من باطن الارض
-إضافة الى انه تسبب بتفريغ 15-20 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي بعد الانفجار الذي تسبب في تبريد الكوكب بالكامل و استمر تأثير ثوران بركان بيناتوبو على المناخ حتى يومنا هذا .
بشكل عام ، كانت تأثيرات التبريد لثوران جبل بيناتوبو أكبر من تأثيرات ظاهرة النينو التي كانت تحدث في ذلك الوقت .
كان شروق الشمس وغروبها اللافت للنظر مرئي وملحوظ في جميع أنحاء العالم في السنوات التي تلت ثوران جبل بيناتوبو.
في موسم الشتاء اللاحق لهذا الثوران ” شتاء عام 1992 ” تضخمت القبة القطبية الشمالية بصورة غير طبيعية نتيجة للتبريد الهائل والسريع الذي نشأ عن انتشار غاز ثاني أكسيد الكبريت في طبقات الغلاف الجوي , والذي عمل على منع اشعة الشمس من الوصول الى الأرض بشكل كبير , ونتيجة لذلك نشأت أجواء باردة جداً في النصف الشمالي من الأرض وتأثرت بعض مناطق الشرق الأوسط بهذا التبريد بشكل رئيسي.
تعتبر مناطق بلاد الشام والعراق وشمال السعودية وشمال مصر وصولاً الى بلاد المغرب العربي من المناطق التي تتأثر بالنظام الجوي القطبي في فصل الشتاء كونها تقع ضمن “نطاق” خط العرض (30) أي ” العروض الوسطى ” , تزامناً مع تأثرها بمناخ العروض الدنيا الاستوائية في فصلي الخريف والربيع احياناً , نتيجة لتمدد اذرع الرياح المدارية الى الشمال .
وهذا من شأنه ان يجعلها منطقة معقدة مناخياً ,فلكل فترة زمنية معينة هنالك نظام جوي يسيطر و يتحكم بطقس المنطقة , وأحيانا تتداخل الأنظمة الجوية مع بعضها البعض , بحيث تكثر في مناطق بلاد الشام والعراق ومصر وشمال السعودية الطفرات الجوية المفاجئة والتغيرات الجوية الكبيرة المتطرفة , فتارة نشاهد حالات جوية عنيفة تضرب المنطقة وتارة اخرى نجد ان الاجواء مستقرة ودافئة احياناً في مربعانية الشتاء , وهذا من شأنه ان يكسر النمطية والتكرار فتقل الثوابت الجوية وتصبح التوقعات الموسمية وبعيدة المدى شبه مستحيلة احياناً للمنطقة, ولهذه الأسباب فان المنطقة بحاجة الى دراسات خاصة.
ونتيجة لحساسية مناخ المنطقة لأي تغيير , كان لهذا الثوران البركاني اثر كبير في اجبار الرياح القطبية الباردة والتي كانت متعاظمة بصورة اكبر من المعتاد الى النزول الى المنطقة بصورة متكررة وغير معتادة .
شتاء عام 1992 التاريخي:
في فصل الخريف من عام 1991 كانت بداية الموسم المطري جافة بصورة غير معتادة خلال شهري أكتوبر ونوفمبر في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق ومصر وشمال السعودية، وتأخرت الامطار وكانت الحالات الجوية متباعدة نتيجة للانقطاعات الطويلة بين الحالات الجوية .
بحيث تأثرت المنطقة بأول حالة ماطرة في بداية شهر نوفمبر ( 11 ) وانقطعت الحالات الجوية حتى منتصف الثلث الأخير من شهر 11 , وكان اول منخفض جوي حقيقي قد اثر على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بتاريخ 27/11/1991 , وتساقطت كميات جيدة من الامطار بعد انقطاع دام طويلاً جعل سكان البلاد يتضرعون بصلوات الاستسقاء الى الخالق عز وجل خوفاً من القحط والجفاف.
ثم استقرت الأجواء حتى بداية شهر ديسمبر , وحينها بدأت القبة القطبية بإرسال رياحها الباردة صوب شرق أوروبا وتشكل مرتفع جوي سيطر على غرب ووسط القارة الأوروبية و كانت المنطقة على موعد مع منخفض جوي عميق مصحوب بكتلة هوائية باردة من اصل قطبي نتجت عن إزاحة للقبة القطبية باتجاه شرق أوروبا ووصلت الى تركيا ثم الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط , وتحديداً بتاريخ 4/12/1992 تشكل منخفض جوي وادى الى انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير وتساقط الامطار بشكل غزير جداً وادت الى حدوث سيول وفيضانات عارمة في مختلف مناطق بلاد الشام وصولاً الى شمال مصر والسعودية وأجزاء من العراق .
ونتيجة لاستمرار تدفق الرياح الباردة، تجدد المنخفض الجوي وتشكلت عدة جبهات هوائية باردة جداً عملت على استمرار تساقط الامطار الغزيرة وعلى فترات حتى منتصف الثلث الثاني من شهر ديسمبر، بحيث كانت محصلة الأيام الماطرة على المنطقة حوالي أسبوعين متتاليين وسجلت محطات الرصد الجوي كميات ضخمة من الامطار.
استقرت الأجواء من منتصف شهر ديسمبر وحتى تاريخ 19 ديسمبر من عام 1991 , ثم هبطت كتلة هوائية قطبية صوب وسط البحر الأبيض المتوسط واثرت على تونس وليبيا وأجزاء من الجزائر , وسرعان ما انتقلت بقايا هذه الكتلة الباردة الى الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط , لتؤثر على الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وشمال السعودية وشمال مصر بمنخفض جوي مغلق سريع الحركة , لتتجدد الأمطار الغزيرة مرة أخرى على المنطقة , ومع استمرار تدفق الهواء البارد صوب البحر الأبيض المتوسط تشكلت سلسلة منخفضات جوية اثرت على المنطقة بصورة متتالية وعملت على هطول كميات ” هائلة ” من الامطار بحيث انتهى شهر ديسمبر من عام 1991 بمحصلة امطار بلغت حوالي 400 ملم في القدس الشريف , وهو ما يعادل المعدل العام من الامطار لموسم كامل لمدينة القدس .
ومع نهاية عام 1991 وبداية عام 1992 , انتقلت كتلة هوائية شديدة البرودة من جزيرة جرينلاند في القطب الشمالي صوب الدول الاسكندنافية ثم شرق أوروبا مرورا بدول البلقان ووصلت الى شرق البحر الأبيض المتوسط , ليتشكل على اثرها منخفض جوي من اصل قطبي , اثر على مختلف مناطق بلاد الشام , ثم اندفعت هذه الكتلة الباردة ليلة رأس سنة 1992 بكامل قوتها صوب الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط , ليتشكل على اثرها عاصفة ثلجية ثقيلة و باردة جداً أدت الى انخفاض درجات الحرارة الى ما دون الصفر المئوي فوق الجبال و تساقطت الثلوج بكثافة فوق المرتفعات الجبلية التي يزيد ارتفاعها عن 300 م عن سطح البحر في مختلف مرتفعات بلاد الشام وشمال مصر وشمال السعودية وأجزاء من العراق , وكانت كافة المرتفعات الجبلية في بلاد الشام في اول يوم من عام 1992 بيضاء نتيجة لتساقط الثلوج الذي استمر لأكثر من 30 ساعة وخلف تراكمات تجاوزت النصف متر فوق معظم جبال بلاد الشام.
في الأيام التي تلت هذه العاصفة ضربت موجة انجماد شديدة البرودة المنطقة وانخفضت درجات الحرارة في مختلف مرتفعات بلاد الشام والعراق ومصر وشمال السعودية الى ما دون الصفر المئوي واستمرت موجة الانجماد حتى منتصف الثلث الأول من شهر يناير من عام 1992.
استقرت الأجواء قليلاً بعد هذه العاصفة، حتى تاريخ 9 يناير 1992 ثم تشكلت حالة عدم استقرار جوي عملت على تساقط الامطار الرعدية الغزيرة جدا والمصحوبة بالرعد وتساقط كثيف لزخات البرد جنوب بلاد الشام وتحديداً تركزت على الأردن وفلسطين وشملت المناطق الشمالية من مصر وأجزاء من شمال السعودية , واستمرت الحالات الماطرة وموجات الانجماد على فترات حتى 28 يناير 1992 .
بتاريخ 29 يناير سيطر مرتفع جوي على وسط القارة الأوروبية تزامناً مع وجود كتلة هوائية شديدة البرودة شرق أوروبا , مما أدى الى تدفق كميات ضخمة من الرياح الباردة انزلقت حول المرتفع الجوي صوب الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط , والتي شكلت بدورها منخفض جوي جديد من اصل قطبي شديد البرودة ومتعدد الجبهات .
ومع منتصف ليلة 31-يناير- 1992 عبرت جبهة قطبية شديدة البرودة كامل بلاد الشام و ادت الى تساقط الثلوج وتراكمها على المرتفعات الجبلية التي تزيد عن 800 م , واستمر على اثرها تساقط الثلوج حتى ساعات الليل المتأخرة من يوم 1-شباط-1992 , ثم تبعتها حالة انجماد عملت على تماسك الثلوج فوق الجبال وعدم ذوبانها والتي تفاوتت فيها كميات الثلوج المتراكمة فوق الجبال والتي قدرت بحوالي 10 سم الى نصف متر كمتوسط عام.
كانت بداية شهر شباط من عام 1992 باردة جداً ومثلجة على المنطقة، وتميز هذا الشهر من نفس العام بانه قطبي بامتياز، فكثرت فيه النزولات القطبية المتلاحقة, فما كانت تنتهي موجة قطبية الا وتبعتها موجة أخرى ساهمت بتساقط كميات ضخمة من الثلوج .
فسمي شباط الأبيض, وحطمت فيه العديد من الأرقام القياسية والتي شملت عدد أيام تساقط الثلوج وكميات التراكم وانخفاض درجات الحرارة في المنطقة.
بتاريخ 3 شباط هبطت كتلة قطبية عبر نفس مسار الكتل الباردة السابق ذكرها , من القطب الشمالي صوب شرق أوروبا ثم شرق البحر الأبيض المتوسط , ليتشكل على اثرها منخفض جوي قطبي وعاصفة ثلجية ثالثة , عملت على تساقط الثلوج وتراكمها فوق كافة المرتفعات الجبلية, واشتهرت هذه العاصفة والتي امتدت لحوالي 24 ساعة , بسرعة الرياح المصاحبة لها والتي كانت عاصفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى , و تجاوزت سرعة هبات الرياح فيها حاجز 110 كم / س , نتيجة لتعمق مركز المنخفض الجوي في البحر الأبيض المتوسط.
وخلفت تراكمات فوق الجبال تجاوزت 30 سم كمتوسط عام في مختلف دول بلاد الشام.
بتاريخ 6 شباط وعلى اثر استمرار تدفق الهواء البارد جدا من القطب الشمالي صوب الشرق الأوروبي ’ تشكل منخفض جوي جديد وعاصفة ثلجية رابعة ضربت جبال بلاد الشام , فكانت جميع عواصم بلاد الشام بيضاء في هذا التاريخ نتيجة للبرودة الكبيرة والمستمرة بسيطرتها على المنطقة , وخلفت تراكمات وصلت الى 20 سم فوق معظم الجبال التي تزيد عن 800 م عن سطح البحر .
كانت الأجواء بتاريخ 7 و 8 شباط شديدة البرودة , وكانت درجات الحرارة فوق معظم الجبال ما دون الصفر المئوي في مختلف بلاد الشام , وبتاريخ 9 شباط 1992 , هبطت كتلة هوائية قطبية باردة جداً , كانت متمركزة فوق دول البلقان صوب شرق البحر الأبيض المتوسط بكامل ثقلها , وعملت على تشكل منخفض جوي وصف بانه الأبرد خلال هذا الموسم,
تدنت درجات الحرارة بصورة قياسية, وضربت عاصفة ثلجية خامسة خلال موسم شتاء 1992 كافة المرتفعات في بلاد الشام , وتراكمت الثلوج بسرعة نتيجة للبرودة القياسية فوق الثلوج المتراكمة في المنخفضات السابقة ,
وسجلت درجات الحرارة الصغرى في عمان والقدس حوالي سالب 7 درجات ما دون الصفر المئوي. وانخفضت الحرارة في بغداد في العراق الى مستويات قياسية اقتربت من الصفر المئوي , وسجلت العاصمة العراقية تساقط نادر وكثيف للثلوج.
ووصلت الرياح القطبية التي اندفعت صوب المنطقة الى حدود مكة المكرمة وسط السعودية , بالإضافة الى ان سواحل بلاد الشام المطلة على البحر الأبيض المتوسط اكتست بالثلج بصورة مؤقته في هذه العاصفة.
وعلى الرغم من استقرار الأجواء بعد هذه العاصفة , الا انها تميزت ببرودتها الشديدة نتيجة لتشكل موجات من الانجماد بين الحين والأخر , وحتى تاريخ 19 شباط 1992 , انتقلت كتلة هوائية قطبية ضخمة وشديدة البرودة بدعم من الدوامة القطبية الروسية من سيبيريا الى دول البلقان ,
عملت هذه الكتلة الهوائية الباردة على تشكل منخفض جوي بارد جدا وسريع الحركة من اصل قطبي فوق جزيرة قبرص , بحيث تساقطت الثلوج مرة أخرى فوق الجبال بتاريخ 20 شباط 1992 . وما كان هذا المنخفض الا تمهيداً لثالث اقوى عاصفة ثلجية ضربت المنطقة استناداً الى الأرشيف المناخي بعد عواصف 1921 و 1950 .
حيث انه وبتاريخ 22 شباط 1992 , ارتفع الضغط الجوي في مركز الدوامة القطبية الروسية المتمركزة في العروض العليا بالقرب من القطب الشمالي , وهذا بدوره أدى الى اندفاع جزء كبير وهائل من البرودة صوب الجنوب , وتحديداً شرق حوض البحر الأبيض المتوسط .
وتزامن اندفاع هذه الكتلة الهوائية الباردة بتواجد منخفض جوي من اصل اطلسي رطب جداً , سلك مسار المنخفضات الخمسينية ” شمال افريقيا ” والتقى هذا المنخفض الجوي بالكتلة الهوائية القطبية الباردة بالقرب من السواحل الشمالية لمصر .
ونشأ على اثر ذلك اضطراب جوي قوي في كافة الطبقات، وتشكلت عاصفة ثلجية ثقيلة ضربت كافة مرتفعات بلاد الشام ومصر والعراق وشمال السعودية استمرت من تاريخ 23 الى 26 شباط من العام 1992 .
كانت هذه الثلجة السابعة كما يحب ان يسميها سكان بلاد الشام لموسم 92 , وادت هذه العاصفة الى حدوث أمور وصفت بالخيالية , وبقيت عالقة في الاذهان حتى هذه اللحظة, حيث ان اقترانها بالمنخفض الأطلسي الرطب جداً سابق الذكر عمل على تشكل غيوم ركامية بارتفاعات شاهقة , ساهمت بنشوء عواصف رعدية ثلجية عنيفة.
غزارة الهطول الثلجي كما وصفه بعض من عاصر هذه العاصفة لم يشاهد مثله على الاطلاق , حيث ان التراكمات كانت سريعة وقياسية , ووصلت فوق الجبال التي تزيد عن 800 م عن سطح البحر الى المتر كمتوسط عام.
وفاقت التراكمات الثلجية في الجبال العالية والشاهقة حاجز المترين في بعض المناطق، كما ان هبات الرياح تجاوزت حاجز 120 كم/س .
تسببت هذه العاصفة بكوارث في بعض الجبال، حيث ان جميع الطرق أغلقت في مختلف المدن الرئيسية في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان وشمال العراق , وتساقطت الثلوج على جبال تبوك شمال السعودية , وارهقت كوادر وفرق الطوارئ في المنطقة نتيجة لما خلفته من تراكمات ثلجية كبيرة استمرت حتى نهاية الربيع ولم تذب في المرتفعات الجبلية الشاهقة جنوب الأردن .
يصف احد المواطنين الأردنيين الذي عاصر هذه العاصفة والذي يقطن في محافظة عجلون شمال الأردن , بان طائرات سلاح الجو الأردني كانت تغيث سكان المنطقة وتقوم بايصال الغذاء والدواء نتيجة لإغلاقات الطرق بسبب تراكم الثلوج القياسي والذي استمر لأسابيع , وعزل مناطق بالكامل عن محيطها.
بعد البداية الجافة , انتهى موسم شتاء 91/92 بكميات قياسية من الامطار , فاقت جميع المعدلات العامة استناداً الى الأرشيف المناخي للمنطقة , وبقي هذا الموسم خالداً في الذاكرة , حتى انه لا يكاد يأتي موسم شتاء الا وكان السؤال الرئيسي , هل سيكون مشابه لموسم 92 ؟.