المركز العربي للمناخ – المهندس احمد العربيد
تنتشر أخبار أثرياء العالم الذين قاموا برحلة إلى الفضاء خارج الأرض، أو الذين يرغبون في القيام برحلة إلى الفضاء أو إلى المحطة المدارية أو في دورة حول القمر. وتبلغ كلفة هذه الرحلات ملايين كثيرة من الدولارات لم تستوقف هؤلاء الأثرياء عن القيام بها. بل وقد تكون الكلفة المعلنة وهي غالباً 55 مليون دولار، بلا تأثير يذكر على ثروات هؤلاء التي تعد بمليارات الدولارات.
ومن بين الأثرياء من ينافسون على بناء الشركات التي ستطلق المركبات إلى الفضاء حاملة هؤلاء السياح، في سوق تبلغ قيمتها اليوم 250 مليار دولار، ويتوقع أن تصبح عدة تريليونات حتى العام 2030، بحسب تحقيق لـ “واشطنن بوست” نشر الشهر الماضي.
السفر إلى الفضاء
انتشرت في وسائل الإعلام العالمية الشهر الماضي أن مجموعة من سبعة أثرياء أعلنوا العزم على السفر في “رحلة خاصة” إلى محطة الفضاء الدولية أواخر 2022، على متن مركبة “دراغون” الفضائية التابعة لشركة “سبيس إكس” التي يملكها المياردير إيلون ماسك.
وسيكون على متن الرحلة كل من قطب العقارات الأميركي لاري كونور، ورجل الأعمال والطيار السابق الإسرائيلي إيتان ستيب، ورجل الأعمال الكندي المشهور بتقديماته الاجتماعية والخيرية مارك باثي ولوبيز ألجيريا، وهو رائد فضاء متقاعد من وكالة ناسا.
وفي تحقيق للمجلة الفرنسية “نوفل إبسرفاتور”، طرح سؤال على لاري كونور، الأكبر سناً بين المسافرين، حول جدوى هدر ملايين الدولارات للصعود إلى المحطة المدارية بدلاً من صرفها هنا على الأرض، وهي في أمسّ الحاجة إليها، خصوصاً في ظل الظروف التي أنتجتها جائحة كورونا. فكان رد كونور بأن أعضاء تلك المجموعة سيجرون تجارب في الفضاء تهدف إلى زيادة الوعي والاهتمام بالرياضيات والعلوم والأبحاث العلمية على الأرض، لإعطاء جهودهم في عمل الخير دفعة أقوى.
وهوس الأثرياء لا يتوقف على رحلات الفضاء التي يقول حولها المعلقون إنه إذا جمعت كثيراً من المال وقمت بكل ما تريده هنا على كوكب الأرض، فإلى ماذا ستطمح عملياً؟ إلى خوض غمار الفضاء بالطبع، وكذلك غمار الطيران هنا على الأرض. فكل الأثرياء يملكون طائراتهم الخاصة وبعضهم يقودها بنفسه، وآخرون قضوا بسقوط طائراتهم، وبالطبع لا تتوقف المنافسة حول فخامة الطائرة الخاصة والرفاهية التي تقدمها وسرعتها بالطبع.
شغف الأثرياء بالفضاء
الأثرياء الذين ينفقون الأموال على المشاريع الفضائية يأتي في مقدمهم إيلون ماسك وجيف بيزوس وريتشارد برانسون وبول ألين، ناهيك بأثرياء الصين الجدد الذين حذوا حذوهم.
وبالنسبة للطامحين إلى الوصول إلى كواكب جديدة على رأسها المريخ القريب، جاء في تقرير الصحيفة الفرنسية، إن هذه الاستثمارات الضخمة من أجل غزو الفضاء تقف خلفها بعض الأطماع المادية، ولو على المدى البعيد، مثل دوافع الملياردير إيلون ماسك في شركته “سبيس إكس” مثلاً، وكذلك منصات “أريان سبيس” الأوروبية، لإطلاق الأقمار الصناعية، وجيف بيزوس من خلال مؤسسته “بلو أوريجن”، وريتشارد برانسون مالك مؤسسة “فيرجن غالاكتيك”، وبول ألين عبر شركة “ستراتولونش”، ولاري بايج عبر مؤسسة “غوغل لونر إكسبرايز”.
أمّا الإيرادات فتأتي من أربعة مصادر، وهي الأقمار الاصطناعية والسياحة والنقل والتنقيب عن المعادن. وتعتقد هذه الشركات “الفضائية” أن عدد السياح الأثرياء إلى الفضاء سيزيد على سطح الأرض، بعدما انخفض خطر الحوادث في أثناء هذا النوع من الرحلات إلى ما يقارب الصفر. وصاروخ “بيغ فاكنيغ روكيت” أحد مشاريع إيلون ماسك، سيكون قادراً على نقل مئات المسافرين إلى القمر والمريخ، وبين مختلف أرجاء الكرة الأرضية في فترة زمنية لم تحدّد بعد.
لكن في خفايا هذا السباق نحو الفضاء، ليست السياحة الفضائية هي الهدف الرئيس، بل استخراج المعادن كما يروّج في الصحف الاقتصادية والعلمية، فهؤلاء الأثرياء يرون أن وقود الانتقال الرقمي والبيئي في المستقبل يكمن في المعادن النادرة التي لا يمكن الاستغناء عنها في صناعة كل المنتجات التكنولوجية الجديدة، مثل البطاريات والألواح الشمسية والخوادم والآلات الحاسبة والهواتف الذكية، ومن المعروف أن هذه المعادن موجودة على الكواكب القريبة مثل المريخ وعلى سطح القمر.
“سبايس أكس” و”الناسا”
بحسب موقع “ناسا” الإلكتروني، فقد منحت ناسا عقد نقل البشر في رحلات حول القمر لشركة “سبيس إكس” وليس لشركة “بلو أوريجين”، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، وشركة المقاولات الدفاعية “دايناتيكس”. ويهدف هذا المشروع الكبير إلى إرسال بشر إلى القمر مجدداً للمرة الأولى منذ العام 1972، وتبلغ قيمة عقد “سبيس إكس” وناسا 2.89 مليار دولار وفق الموقع الرسمي للوكالة.
وكان من المتوقع أن تختار وكالة “ناسا” فريقين من الفرق الثلاثة، مما جعل اختيار شركة إيلون ماسك لوحدها “مفاجأة”، فتوقف تنفيذ هذا العقد ريثما تنظر المحاكم الأميركية في الطعون المقدمة من الشركات الأخرى على هذا القرار.
وشركة “سبايس إكس” تعتبر من الرواد الأوائل في العمل بالفضاء تجارياً، بعدما نجحت في إرسال أول كبسولة تجارية من حيث التصميم والتشغيل إلى محطة الفضاء الدولية، وأساساً أراد ماسك من تأسيس الشركة في 2002، خفض كلفة السفر إلى الفضاء من طريق بناء صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام، واستطاعت الشركة خفض كلفة إرسال الكيلو غرام الواحد إلى الفضاء من 24 ألف دولار إلى 6 آلاف دولار.
وكانت شركة “سبايس إكس” قد أطلقت في 30 مايو (أيار) 2020 صاروخها “Falcon 9” إلى الفضاء وعلى متنه اثنان من رواد الفضاء الأميركيين، دوغ هيرلي وبوب بهنكن، من مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا باتجاه محطة الفضاء الدولية، وعلّق ماسك متأملاً البدء بالرحلات الفضائية البشرية، “نحن بحاجة إلى تكرار هذه المهمات وأن يكون هذا حدثًا منتظماً”.
أما جيف بيزوس، أغنى رجل في العالم ومؤسس موقع أمازون، فكان من بين أوائل رجال الأعمال في اقتحام قطاع الفضاء بعد تأسيسه شركة “بلو أوريجين” عام 2000 لتسيير رحلات سياحية إلى الفضاء، بسعر تذكرة تصل إلى 300 ألف دولار، كما تطمح الشركة إلى تمكين البشر من الاستيطان على سطح القمر.
وأنشأ الملياردير ورجل الأعمال البريطاني السير ريتشارد برانسون، شركة “فيرجين غالاكتيك” في 2004 بهدف تسيير رحلات إلى الفضاء، وتلقت “فيرجين غالاكتيك” حتى الآن حجوزات من 700 شخص، وبسعر للتذكرة الواحدة يصل إلى 250 ألف دولار، في حين يتوقع أن تنخفض إلى 40 ألف دولار خلال العقد المقبل. وكما هو معروف فإن الأرقام المالية والمدد الزمنية تتبدل بشكل كبير في عالم التجارة الفضائية.
الفضاء كهدف أول
الفضاء بات هدفاً أول لأغنى أغنياء العالم، وكل ما يقال عن الأسباب التي تدفع أصحاب الأموال إلى غزو الفضاء هي مجرد تخمينات، لكن علم النفس وعلم النفس الاقتصادي، وبحسب تقارير كثيرة صدرت تتناول هذا الموضوع، تصف الأمر على أنه أشبه بالحاجة للخروج من رحم الأرض وغلافها الجوي إلى الحياة الجديدة في الكون الفسيح. البعض تشدّهم رغبة ذاتية وشخصية بات بإمكانهم تحقيقها بعدما بات بين أيديهم من المال ما هو فائض كثيراً عما يمكنهم استخدامه على الأرض، بل وأساساً لا تدخل حاجة الأرض إلى المساعدة المالية المباشرة في حسبان هذا النوع، فإنقاذ الأرض يكون باكتشاف كوكب جديد يصبح مأوى للبشر في المرحلة المقبلة حينما تنفد الطاقة عن سطح الكوكب الأزرق، ويصبح العيش فيه نقمة لا نعمة.
وهناك آخرون يدفعهم حس الاكتشاف البشري العام لا الشخصي، وهو الحسّ الموجود لدى كل كائن بشري يعتقد أنه أولاً وأخيراً على البشر أن يكتشفوا المنطقة المحيطة بهم في الفضاء، أو الشرفة الأمامية للكوكب في المجموعة الشمسية الصغيرة. أما ما يقال عن البحث عن المعادن ومصادر الطاقة أو الكواكب الصالحة لعيش البشر، فهذه كلها لا تعدو كونها تكهنات. لأن الوصول إلى أي كوكب، ومنها المريخ والإقامة عليه واستكشافه المباشر، كلها تحتاج إلى كثير من الوقت وتطور البشر هنا على الأرض كي تتحقّق، وهذا الأمر ليس بالمتناول حتى اليوم.
لكن كما يقال فلكل اكتشاف علمي قام به البشر كان مجرد حلم في البداية، لكنه سرعان ما تحقق، وكأن تطور البشر منذ الثورة الصناعية الكبرى في القرن الـ 18 يتقدم بشكل “هندسي” أي (1-2-4-8-16-32-64) بعدما كان يتطور وفقاً لشكل “رياضي” قبل تلك الثورة أي (1-2-4-6-8).