المركز العربي للمناخ – المهندس احمد العربيد
الانقلاب الشتوي هو ظاهرة فلكية تحدث في النصف الشمالي والجنوبي من الكرة الأرضية، وتُعدُّ من أبرز الأحداث الموسمية في السنة، حيث تشير إلى بداية فصل الشتاء فلكيًا. يحدث الانقلاب الشتوي عندما يصل ميلان محور الأرض أقصى حد له بعيدًا عن الشمس، ويكون ذلك عند درجة ميل تصل إلى حوالي 23.5 درجة. ونتيجة لهذا الميل، يصل نصف الكرة الأرضية إلى أدنى مستوى لتعرّضه لأشعة الشمس المباشرة، مما يترتب عليه أقصر يوم وأطول ليلة في السنة.
1. التعريف والانواع:
في حين يحدث الانقلاب الشتوي سنويًا، يتفاوت توقيته بين النصفين الشمالي والجنوبي للكرة الأرضية:
في النصف الشمالي: يحدث الانقلاب الشتوي عادةً في يوم 21 أو 22 ديسمبر من كل عام، ويُشار إليه بـ “الانقلاب الشتوي الشمالي”، ويبدأ معه فصل الشتاء فلكيًا.
في النصف الجنوبي: يحدث الانقلاب الشتوي في 21 أو 22 يونيو، ويُعرف بـ “الانقلاب الشتوي الجنوبي”، ويبدأ معه الشتاء في نصف الكرة الجنوبي.
2. الأسباب العلمية وراء الانقلاب الشتوي:
تنتج ظاهرة الانقلاب الشتوي عن ميلان محور دوران الأرض حول الشمس. يميل محور الأرض بزاوية 23.5 درجة، مما يخلق تباينًا في كمية أشعة الشمس التي تصل إلى نصفي الكرة الأرضية على مدار السنة. عندما يكون نصف الكرة الشمالي أو الجنوبي مائلًا بعيدًا عن الشمس، فإن المناطق الواقعة في هذا النصف تتلقى ضوءًا أقل وحرارة أقل، مما يسبب انخفاض درجات الحرارة وبداية فصل الشتاء.
3. تأثيرات الانقلاب الشتوي:
مدة النهار والليل: خلال الانقلاب الشتوي، يتميز اليوم بأقصر مدة نهار وأطول فترة ليل. في النصف الشمالي، يستمر النهار في هذا اليوم حوالي 8 ساعات فقط في بعض المناطق الشمالية، بينما قد يصل الليل إلى نحو 16 ساعة. يحدث العكس في النصف الجنوبي خلال انقلابهم الشتوي.
درجات الحرارة: نظرًا لقلة تعرض المناطق الواقعة على نصف الكرة المائل بعيدًا عن الشمس، فإن درجات الحرارة تنخفض بشكل ملحوظ. وتظهر هذه الظاهرة بوضوح في المناطق ذات المناخ القاري والمتوسط والمناطق القطبية، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى أدنى مستوياتها السنوية.
تأثيرات على الطقس: تبدأ في هذه الفترة الموجات الباردة والانخفاضات الجوية التي تجلب تساقط الثلوج في كثير من المناطق الشمالية.
4. التأثيرات الثقافية والدينية للانقلاب الشتوي:
تاريخيًا، كانت لظاهرة الانقلاب الشتوي أهمية كبيرة في الثقافات حول العالم، حيث كانت تمثل تغييرًا موسميًا في الحياة والزراعة والطقوس الدينية. اعتبرتها العديد من الثقافات القديمة حدثًا رمزيًا:
في الحضارة الرومانية: كان الرومان يحتفلون بمهرجان “ساتورناليا” في ديسمبر احتفاءً بالانقلاب الشتوي، وكانت تلك الاحتفالات تشمل إقامة الولائم وتبادل الهدايا.
في ثقافات الأمريكيين الأصليين: اتخذ الانقلاب الشتوي معنى خاصًا يرتبط ببدء حياة جديدة، واستعدوا لهذا اليوم من خلال إقامة الطقوس.
في بعض الديانات الشرقية: يعتبر الانقلاب الشتوي وقتًا للتأمل والتجديد الروحي، مثل احتفالات الهندوس والبوذيين.
5. المظاهر الطبيعية المرتبطة بالانقلاب الشتوي:
أثناء فترة الانقلاب الشتوي، تتأثر الحياة البرية بشكل ملحوظ، حيث تدخل الكثير من الحيوانات في سبات شتوي أو تقلل من نشاطها للمحافظة على طاقتها خلال فترات البرودة الطويلة. كما يبدأ تغير في طبيعة النباتات، حيث تتساقط أوراق الأشجار وتتباطأ عملية النمو في المناطق المعتدلة.
6. الانقلاب الشتوي وعلاقته بالعلوم الحديثة:
يهتم العلماء بدراسة الانقلاب الشتوي لمعرفة تأثيرات التغيرات الموسمية على البيئة والحياة البرية، حيث تساعد هذه الدراسات في فهم التوازن البيئي وآثاره على البشر. كما تُستخدم بيانات الانقلاب الشتوي في دراسات علوم الفضاء لفهم حركة الأرض وعلاقتها بالشمس بشكل أفضل.
7. حقائق علمية مثيرة حول الانقلاب الشتوي:
على الرغم من أن الانقلاب الشتوي يشير إلى أقصر يوم، إلا أن درجات الحرارة تستمر بالانخفاض لفترة من الوقت بعد الانقلاب بسبب تباطؤ التغييرات في درجة حرارة سطح الأرض.
من الناحية الفلكية، يمكن ملاحظة موقع الشمس في سماء النهار عند ارتفاع أدنى لها في الانقلاب الشتوي، حيث يظهر مسارها بشكل منخفض جدًا بالنسبة للأفق.
8. كيف يتم رصد الانقلاب الشتوي؟:
يتم رصد الانقلاب الشتوي فلكيًا من خلال المراصد الفلكية باستخدام تقنيات متقدمة، حيث يقيس الفلكيون زاوية ميل الشمس وتوقيت غروبها وشروقها بدقة عالية. كما أن الكثير من الناس يستعدون لهذا الحدث بمراقبة السماء والانتباه للتغيرات في أوقات النهار والليل.
9. الانقلاب الشتوي وعلم الفلك الشعبي:
في الكثير من الثقافات، ما زال الناس يحتفلون بالانقلاب الشتوي ويعتقدون بأن له قوى تجديدية أو أنه يمثل بداية جديدة. يُقيم البعض احتفالات تضامنية، ويستخدم آخرون الانقلاب الشتوي كتذكير بأهمية التوازن بين الضوء والظلام في حياتنا.