المركز العربي للمناخ – المهندس احمد العربيد
مع بداية فصل الخريف فلكيًا، وبتعمقنا في أجوائه، بدأت مظاهر الخريف تتضح بشكل جلي في المنطقة العربية، خاصة في شمال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث سادت تقلبات جوية واسعة وسريعة. تميزت هذه التقلبات بانخفاضات حرارية كبيرة وفروقات واضحة بين درجات الحرارة الليلية والنهارية. وقد شهدت المنطقة ظواهر نادرة الحدوث في هذا الوقت من العام، مثل موجة البرد المبكرة التي أثرت الأسبوع الماضي على بلاد الشام، العراق، وشمال السعودية، وأدت إلى هبوط ملحوظ في درجات الحرارة، خاصة في ما يُعرف بدرجة الحرارة المحسوسة. وقد ساهمت الرطوبة المنخفضة والكتلة الهوائية الباردة والجافة ببلوغ نقطة الندى إلى -10 في بعض المناطق، مما زاد من الإحساس بشدة البرودة.
حالة عدم استقرار جوي واسعة الانتشار وطويلة التأثير :
إضافة إلى ذلك، تشهد أجزاء من شبه الجزيرة العربية منذ نحو أسبوع حالة من عدم الاستقرار الجوي واسعة النطاق، تمتد من اليمن إلى غرب ووسط السعودية، وصولاً إلى الكويت وجنوب العراق. وقد نتج عن هذه الحالة هطول أمطار رعدية غزيرة مصحوبة بعواصف بردية، ما أدى إلى تشكّل السيول والفيضانات في العديد من المناطق. ومن المتوقع أن تمتد هذه الحالة من عدم الاستقرار الجوي لتشمل بلاد الشام، العراق، وشمال مصر بدءاً من وقت كتابة هذا التقرير ولغاية الاسبوع الاول من شهر تشرين ثاني نوفمبر على اقل تقدير ، مع استمرار تأثيرها على شبه الجزيرة العربية، مما يجعلها حالة استثنائية وغير معتادة في هذا الوقت من العام نظراً لانتشارها الواسع. وكما أشرنا في تقرير سابق، فإن تدفق التيار المداري الأفريقي باتجاه المنطقة يُعد أحد أهم العوامل المسببة لهذه الحالة، حيث يتزامن مع تدفق الرياح الباردة نسبياً من شرق المتوسط نحو المنطقة، مما ساهم في تفاقم هذه الظاهرة الجوية.
تواصل هطولات مطرية كثيفة في دول المغرب العربي :
في سياق متصل، تتعرض دول المغرب العربي أيضاً منذ قرابة الشهر لأمطار غزيرة متواصلة وكتل هوائية باردة متلاحقة، مما أسفر عن هطول كميات كبيرة من الأمطار الرعدية الغزيرة في العديد من المناطق. وتعود كثافة هذه الهطولات إلى طبيعة الكتل الهوائية الباردة التي أثرت على دول المغرب العربي، حيث كانت هذه الكتل ذات مصدر أطلسي مشبع بالرطوبة، وتزامنت مع رياح مدارية رطبة قادمة من أفريقيا، مما عزز قوة الاضطرابات الجوية هناك. وقد أدى هذا التفاعل إلى غزارة الأمطار التي ملأت بعض السدود بشكل مبكر، كما حدث في الجزائر على سبيل المثال.
الدوامة القطبية وتأثيرها غير المعتاد في هذا الموسم :
أشرنا في تقرير سابق إلى أن الدوامة القطبية الشمالية تشهد نشاطاً “نادر الحدوث” في مثل هذا الوقت من العام، حيث بلغ مؤشر تذبذب القطب الشمالي إيجابية متطرفة، مقترباً من الدرجة الخامسة على المقياس. هذه القيم تعادل ما يُرصد عادةً في عمق فصل الشتاء، عندما تكون الدوامة القطبية في أقصى قوتها. وقد ساعدت هذه الوضعية في تشكل مرتفعات جوية “ضخمة” تغطي مناطق هامة، منها القارة الأوروبية، مما أدى إلى تشكل نظام الأوميغا الذي يسهم في توجيه الكتل الهوائية الباردة نحو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معززاً بذلك الظروف الجوية الباردة وغير المعتادة في تلك المناطق.
حمل تطبيق المركز العربي للمناخ لمعرفة طقس منطقتك لمدة 15 يوم بالتفصيل.
اضغط هنا للتحميل توقعات سلوك الدوامة القطبية لشهر نوفمبر وتأثيره على المنطقة :
في الآونة الأخيرة، بدأت تتضح بشكل أكبر سلوكيات الدوامة القطبية “الغريبة” وتوزيعات الضغوط الجوية “الأكثر غرابة”، خاصة مع اقتراب شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الذي يبدأ بعد أيام قليلة. وتظهر أحدث البيانات أن المرتفعات الجوية القوية ستسيطر على القارة الأوروبية لفترة طويلة نسبياً، ربما حتى نهاية الثلث الأول من الشهر المقبل. هذا النمط غير المعتاد، والذي يُشاهد عادةً في قلب فصل الشتاء، قد يؤدي إلى نشاط بارد متتالي باتجاه شرق وغرب البحر الأبيض المتوسط، مما يزيد من احتمالات الأحوال الجوية الباردة في المنطقة والتي قد تؤدي الى تشكل منخفضات جوية او حالات عدم استقرار جوي ماطرة بغزارة بصورة اعلى من المعتاد تشمل بلاد الشام والعراق والسعودية ومصر وصولاً الى بلاد المغرب العربي.
وفي ظل هذه المتغيرات، يتطلب الوضع المتابعة الحثيثة واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع السيول المحتملة، خاصة في المناطق التي تعرضت لكميات كبيرة من الأمطار مسبقاً، حيث يبدو أن طبيعة هذا الموسم قد تشهد استمراراً للأحداث المناخية الغير معتادة خلال فصل الخريف وحتى الشتاء.
والله اعلى واعلم