المركز العربي للمناخ – المهندس احمد العربيد

تعتبر الأقمار الصناعية من أعظم الإنجازات التكنولوجية التي ساهمت بشكل مباشر وفعال في تطوير علم الأرصاد الجوية. منذ إطلاق أول قمر صناعي للأرصاد الجوية في الستينيات، تغيرت طرق جمع وتحليل البيانات الجوية بشكل جذري، مما ساعد العلماء على تقديم تنبؤات جوية أكثر دقة وشمولية. في هذا المقال، سنستعرض دور الأقمار الصناعية في علم الأرصاد الجوية وكيف أسهمت في تحسين التنبؤات الجوية ومراقبة المناخ على المستوى العالمي.

دور الأقمار الصناعية في الأرصاد الجوية

1. مراقبة الطقس على نطاق عالمي

قبل ظهور الأقمار الصناعية، كانت البيانات الجوية تجمع من محطات أرضية وبالونات جوية، مما كان يترك العديد من المناطق، مثل المحيطات والأقطاب، دون مراقبة دقيقة. الأقمار الصناعية تمكنت من سد هذا الفراغ من خلال توفير مراقبة مستمرة وشاملة لكل مناطق الأرض. بفضل هذه الأقمار، أصبح من الممكن مراقبة الظواهر الجوية المختلفة في المناطق النائية، مثل العواصف المدارية في المحيطات أو التيارات النفاثة الجوية فوق المناطق القطبية.

2. جمع البيانات الجوية

الأقمار الصناعية تُجمع كميات هائلة من البيانات الجوية، بما في ذلك درجات الحرارة، الرطوبة، سرعة الرياح، والغطاء السحابي. تستخدم الأقمار الصناعية مجموعة متنوعة من المستشعرات لجمع هذه البيانات:

  • مستشعرات الأشعة تحت الحمراء: تقيس درجات حرارة سطح الأرض والبحار والغطاء السحابي.
  • الرادار المحمول على الأقمار: يقيس خصائص الهطول مثل الأمطار والثلوج، ويساهم في مراقبة العواصف.
  • مستشعرات الموجات الميكروية: تقيس كمية بخار الماء في الغلاف الجوي وتساعد في دراسة تطور السحب.

3. رصد الظواهر الجوية الكبيرة

تلعب الأقمار الصناعية دورًا حيويًا في رصد وتوقع الظواهر الجوية الكبيرة مثل الأعاصير، العواصف الثلجية، والفيضانات. من خلال الصور والمعلومات التي توفرها الأقمار الصناعية، يمكن للعلماء متابعة تطور هذه الظواهر في الوقت الفعلي، مما يساعد في اتخاذ تدابير وقائية وتقليل الأضرار. على سبيل المثال، يمكن للأقمار الصناعية أن تتبع مسار الإعصار وتوقع متى وأين سيتجه، مما يوفر وقتًا كافيًا للسكان والحكومات للاستعداد.

4. تحسين التنبؤات الجوية

تعتمد التنبؤات الجوية الحديثة على نماذج رياضية تعتمد بشكل كبير على البيانات التي تجمعها الأقمار الصناعية. بفضل هذه البيانات، يمكن للنماذج الحاسوبية توقع تطورات الطقس بشكل أدق وعلى مدى زمني أطول. الأقمار الصناعية تساعد أيضًا في تحسين دقة التنبؤات القصيرة المدى والمتوسطة والبعيدة، حيث تقدم معلومات تفصيلية عن ديناميكيات الغلاف الجوي على مدار الساعة.

5. رصد التغيرات المناخية

الأقمار الصناعية لا تقتصر على مراقبة الطقس اليومي فحسب، بل تلعب دورًا مهمًا في دراسة المناخ على المدى الطويل. من خلال المراقبة المستمرة للغطاء الجليدي، درجات حرارة المحيطات، ومستويات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، تسهم الأقمار الصناعية في فهم التغيرات المناخية العالمية. هذه المعلومات حاسمة للعلماء الذين يدرسون الاحتباس الحراري وتغير المناخ، كما تساعد الحكومات على وضع استراتيجيات للتكيف مع هذه التغيرات.

6. مراقبة الكوارث الطبيعية

في حالات الكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات، البراكين، والزلازل، تسهم الأقمار الصناعية في تقديم معلومات فورية حول المناطق المتضررة. يمكن استخدام الصور الفضائية لتقدير مدى انتشار الحرائق أو الانهيارات الأرضية، مما يساعد في توجيه فرق الإنقاذ وتقديم المساعدات بشكل أسرع وأكثر فعالية.

أنواع الأقمار الصناعية المستخدمة في الأرصاد الجوية

1. الأقمار الصناعية الثابتة بالنسبة للأرض (Geostationary Satellites)

تدور هذه الأقمار حول الأرض بسرعة تتزامن مع دوران الأرض نفسها، مما يسمح لها بمراقبة منطقة معينة بشكل مستمر. تُستخدم هذه الأقمار بشكل رئيسي لمراقبة الطقس في نطاق واسع من الغلاف الجوي ومتابعة تطور العواصف المدارية والغطاء السحابي.

2. الأقمار الصناعية القطبية المدارية (Polar-Orbiting Satellites)

تدور هذه الأقمار حول الأرض في مدار قطبي، مما يتيح لها مسح كامل لكوكب الأرض مع كل دورة. يتم استخدام هذه الأقمار لجمع بيانات دقيقة عن الغلاف الجوي، درجات الحرارة السطحية، ومستويات الرطوبة، وهي أساسية في تحسين نماذج التنبؤ بالطقس.

تأثير الأقمار الصناعية على المجتمعات

تلعب الأقمار الصناعية دورًا هامًا في حماية الأرواح والممتلكات من خلال تحسين دقة التنبؤات الجوية والإنذارات المبكرة. فعلى سبيل المثال، يمكن للأقمار الصناعية تتبع الأعاصير والعواصف القوية قبل وصولها إلى اليابسة، مما يتيح للسكان إخلاء المناطق الخطرة وتجنب الخسائر الفادحة. كما تساعد الأقمار الصناعية في إدارة الموارد الطبيعية، مثل مراقبة الجفاف وتوفير بيانات عن الأنماط المناخية التي تؤثر على الزراعة.

شارك: