المركز العربي للمناخ – المهندس أحمد العربيد

يتساءل العديد من سكان بلاد الشام والمناطق المحيطة، خصوصاً بعد فصل الخريف الذي انتهى مؤخراً وشهد انقطاعات مطرية طويلة، عن كيفية أن يكون الشتاء الحالي واعدًا بموجات برد شديدة ومنخفضات جوية قوية، رغم الأداء الضعيف حتى الآن والذي اقتصر على حالات مطرية محدودة وموجات برد جافة.

الإجابة العلمية:

العلم يقدم تفسيراً لهذا التساؤل، حيث تشير المؤشرات الإحصائية والمناخية إلى احتمال أن يكون الشتاء الحالي مليئاً بموجات برد قوية ومنخفضات جوية شاملة للعالم العربي. من واجبنا العلمي أن نشارك هذه المؤشرات، خصوصاً مع وجود أدلة داعمة لاحتمالية نشاط جوي مرتفع في المنطقة.

شاهد الفيديو

الأنماط المناخية التاريخية:

عند مراجعة الأرشيف المناخي لمنطقة بلاد الشام، نجد أن غالبية المواسم التي شهدت خريفاً دون المعدلات العامة انتهت بمواسم شتوية قوية، تميزت بمنخفضات جوية متتالية حسّنت الأداء المطري. هذا السلوك مرتبط علمياً بقوة الدوامة القطبية التي تحتجز الهواء البارد لفترات طويلة نتيجة انخفاض الضغط الجوي فوق القطب الشمالي. ومع ارتفاع الضغط لاحقاً، تنتقل الرياح الباردة نحو العروض الوسطى والدنيا، مما يؤدي إلى موجات برد ومنخفضات جوية قوية.

العوامل المناخية الحالية:

عدة مؤشرات حالية تدعم تفاؤلنا بموسم شتوي مميز، تتمثل في ثلاث نقاط رئيسية:

برودة غير مسبوقة في القطب الشمالي:

تُعتبر قوة الدوامة القطبية الشمالية عاملاً حاسماً في تحديد قوة الشتاء. حالياً، تُسجل الدوامة مستويات برودة هي الأقوى منذ 10 سنوات على الأقل، مع درجات حرارة منخفضة وسرعة دوران رياح عالية في طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير.

عودة قوية لظاهرة اللانينا:

بعد تراجع تأثير ظاهرة اللانينا في منطقة المحيط الهادئ 3.4، عادت بقوة خلال الأسابيع الماضية مع انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة. إحصائياً، تعزز هذه الظاهرة عوامل التبريد في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، مما يزيد من نطاق الرياح الباردة.

احترار مياه البحر الأبيض المتوسط:

ما زالت مياه البحر المتوسط تُسجل درجات حرارة أعلى من المعدلات المعتادة، ما يلعب دوراً رئيسياً في تعميق المنخفضات الجوية وزيادة معدلات الهطول. قد يصل تأثير هذا الاحترار إلى حد نشوء عواصف جوية شديدة القوة.

التوقعات المستقبلية:

مع استعراض هذه العوامل، نستنتج الآتي:

بالرغم من تأخر النشاط الجوي، فإن البرودة المتكدسة في القبة القطبية الشمالية ستتحرر عاجلاً أم آجلاً، ويرجح أن يكون ذلك في النصف الأول من يناير.

النشاط الجوي المتوقع قد يكون مصحوباً ببرودة قياسية، مع موجات برد طويلة الأمد.

فرص تشكّل حالات جوية متتابعة ستزداد، مع احتمالية مرتفعة لعواصف ثلجية.

كل شيء بأمر الله، ونسأله أن يرزقنا الغيث النافع. والله دائماً أعلم وأعلى.

 

شارك: