المركز العربي للمناخ – المهندس احمد العربيد

للسنة الخامسة على التوالي، يواصل البحر الأبيض المتوسط تسجيل ارتفاعات حادة في درجة حرارة سطح المياه، في ظاهرة مقلقة تشير إلى تغيرات مناخية متسارعة وغير مسبوقة. وتشير بيانات الرصد المعتمدة على أرشيف يمتد من عام 1982 حتى اليوم، إلى أن وتيرة الاحترار تتصاعد عاماً بعد عام، مما يؤدي إلى تحطيم الأرقام القياسية بشكل متكرر.

ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة بتاريخ 2 يوليو 2025، فقد بلغ متوسط درجة حرارة سطح البحر 26.36 درجة مئوية، أي بزيادة تُقدّر بـ +3.14 درجات مئوية عن المعدل العام للفترة المرجعية (1982-2015). وهذا الرقم يُعد الأعلى على الإطلاق حتى مقارنة بالسنوات القليلة الماضية التي سجلت بدورها أرقاماً قياسية.

هذا الارتفاع المستمر والخطير في درجة حرارة المياه لا يُعد مجرد رقم في سلسلة بيانات مناخية، بل هو مؤشر واضح على ازدياد احتمالية نشوء عواصف جوية شديدة خلال الفترة القادمة، نظراً لأن الطاقة الحرارية المختزنة في البحر تُعتبر من أبرز محفزات الاضطرابات الجوية.

وتجدر الإشارة إلى أنه قبل حدوث عاصفة “دانيال” في البحر الأبيض المتوسط في عام 2023، والتي تسببت بكارثة إنسانية كبرى في مدينة درنة الليبية، قام المركز العربي للمناخ بإصدار تحذيرات مسبقة قبل نحو شهر من الحادثة، أشرنا فيها إلى أن مياه البحر المتوسط تشهد احتراراً كبيراً، ما يرفع من خطر تشكّل العواصف والأعاصير المتوسطية. وبالفعل، تسببت كتلة هوائية أقل برودة حينها بحدوث فرق حراري كبير مع مياه البحر الساخنة، مما أدى إلى نشوء العاصفة ووقوع الكارثة.

 بناءً على ما سبق، نُحذر في المركز العربي للمناخ من الاستهانة بالمؤشرات الحالية، ونؤكد على ضرورة الاستعداد المبكر في الدول المطلة والقريبة من البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز منظومات الرصد والإنذار المبكر، تحسّباً لأي تطورات مناخية محتملة خلال الأشهر القادمة، خصوصاً مع اقتراب فصل الخريف وبدء زيارة الكتل الهوائية الباردة للمنطقة.

 وفي حال استمرار الاحترار بهذا الشكل، فإن من المتوقع أن يستمر ارتفاع مؤشر خطر العواصف الشديدة والأمطار الغزيرة خلال فصل الشتاء المقبل.

البحر الأبيض المتوسط يُعد مولداً هاماً للرطوبة ومصدراً رئيسياً للغيوم الماطرة، لذلك فهو يُعتبر من أهم المؤشرات المناخية التي تتحكم بطقس المنطقة ، وان اي تغير في درجات حرارة المياه فيه تعكس مؤشرات هامة جداً عن طبيعة الحالات الجوية المتوقعة.

والله أعلى وأعلم.

شارك: