المركز العربي للمناخ – المهندس احمد العربيد
اكتُشف هيكل هائل في الكون البعيد يتحدى تصوراتنا حول كيفية نشوء الكون وتطوره.
عثر علماء الفلك في ضوءٍ سافر عبر الفضاء لمدة 6.9 مليار سنة ليصل إلينا على حلقة ضخمة وشبه كاملة من المجرات يبلغ قطرها نحو 1.3 مليار سنة ضوئية. هذا الهيكل لا يتطابق مع أي بنية معروفة أو آلية تشكّل معروفة.
قد يعني “الحلقة الكبيرة”، كما أطلق عليها، أننا بحاجة إلى تعديل النموذج القياسي في علم الكونيات.
قدّمت الاكتشاف عالمة الفلك أليكسا لوبيز من جامعة سنترال لانكشاير في الاجتماع الـ243 للجمعية الفلكية الأمريكية في يناير، ونُشر لاحقًا في مجلة علم الكونيات وفيزياء الجسيمات الفلكية.
هذا الهيكل هو الثاني من نوعه الذي اكتشفته لوبيز وزملاؤها؛ فقد كان الأول، المسمى بـ”القوس العملاق”، في نفس الجزء من السماء وعلى نفس البعد. وعندما أُعلن عن اكتشاف القوس في عام 2021، حيّر ذلك علماء الفلك، بينما جاء “الحلقة الكبيرة” ليزيد من غموض الأمر.
تقول لوبيز: “ليس من السهل تفسير أيٍ من هذين الهيكلين الضخمين للغاية وفقاً لفهمنا الحالي للكون”. وتضيف: “حجم هذين الهيكلين الهائل وشكلهما المميز وقربهما الكوني يجب أن يكون له دلالة مهمة – لكن ما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟”
يرتبط الأمر على الأرجح بشيء يُعرف باسم تذبذبات الباريونات الصوتية (BAO). وهي عبارة عن ترتيبات دائرية عملاقة من المجرات في جميع أنحاء الفضاء، والتي تُعتبر آثاراً لموجات صوتية انتشرت في الكون المبكر ثم تجمدت عندما أصبح الفضاء شديد التباعد بحيث لا تستطيع الموجات الصوتية الانتشار.
لكن “الحلقة الكبيرة” ليست من نوع BAO؛ حيث إن الهياكل من نوع BAO تأتي بحجم ثابت تقريباً يبلغ حوالي مليار سنة ضوئية في القطر، في حين أظهرت الفحوص الدقيقة أن “الحلقة الكبيرة” تأخذ شكلًا شبيهًا بحلزونيّة تشكلت بطريقة تبدو مثل حلقة.
يبقى السؤال الكبير غير المجاب: ما هي طبيعة هذه البنية؟ وما علاقتها بمبدأ الكونيات، الذي ينص على أن أي جزء من الفضاء يجب أن يبدو متجانساً تقريباً مع الأجزاء الأخرى في جميع الاتجاهات؟
تشرح لوبيز قائلة: “نتوقع أن تكون المادة موزعة بالتساوي في كل مكان في الفضاء عندما ننظر إلى الكون على نطاق واسع، لذا يجب ألا يكون هناك أي تباين ملحوظ فوق حجم معين”. وأضافت: “يحُدِّد علماء الكونيات الحجم النظري الأقصى للهياكل عند 1.2 مليار سنة ضوئية، ومع ذلك فإن كلا الهيكلين المكتشفين أكبر من هذا بكثير – حيث أن طول القوس العملاق يقارب ثلاثة أضعاف هذا الحد، ومحيط الحلقة الكبيرة يُقارب طول القوس العملاق”.
لكن الحجم ليس المشكلة الوحيدة؛ بل ما تعنيه هذه الاكتشافات بالنسبة لعلم الكونيات، والذي يدرس تطور الكون. فالنموذج الحالي هو الأفضل توافقاً مع ما نرصده، إلا أن هناك بعض الظواهر التي يصعب تفسيرها ضمن إطاره.
هناك نماذج أخرى طُرحت لمعالجة هذه الظواهر، من بينها نموذج علم الكونيات الدائري المتطابق الذي قدمه روجر بنروز، والذي يفترض أن الكون يمر بدورات من الانفجار العظيم والتوسع بشكل لا نهائي، وفيه يُتوقع ظهور الهياكل الحلقيّة – لكن الجدير بالذكر أن لهذا النموذج تحديات كبيرة بحد ذاته.
ثمة احتمال آخر هو أن تكون هذه الهياكل نوعاً من العيوب الطوبولوجية في نسيج الزمكان، والمعروفة بـ”الخيوط الكونية”. ويُعتقد أن هذه الخيوط تشبه التجاعيد الدقيقة التي ظهرت في الكون المبكر عند تمدد الزمكان، ثم تجمدت في مكانها.
لم نعثر على دليل مادي كافٍ يثبت وجود الخيوط الكونية، لكن الأدلة النظرية تدعم هذا الاحتمال بشكل جيد.
حتى الآن، لا يعرف أحد على وجه اليقين ما تمثله “الحلقة الكبيرة” و”القوس العملاق”. قد تكون مجرد ترتيبات عشوائية للمجرات عبر السماء، رغم أن احتمال ذلك يبدو ضئيلاً.
أفضل أمل هو العثور على المزيد من هذه الترتيبات للمجرات المنتشرة في أنحاء الكون، والتي قد تكون مختبئة في وضح النهار.
تقول لوبيز: “وفقاً للنظريات الكونية الحالية، لم نكن نعتقد أن مثل هذه الهياكل بهذا الحجم ممكنة. ربما نتوقع هيكلاً ضخماً للغاية واحداً فقط في الكون المرئي بأكمله، ومع ذلك، فإن الحلقة الكبيرة والقوس العملاق هيكلان ضخمان ويعتبران جيراناً كونيين، وهو أمر مثير للغاية”.
نُشرت هذه النتائج في مجلة علم الكونيات وفيزياء الجسيمات الفلكية.